لوموند: قضية "ناصر الجن" تكشف عن وجود اضطراب داخل النظام الجزائري وصراع بين أجهزته
كشفت قضية اختفاء عبد القادر حداد، المعروف بـ"ناصر الجن"، الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن الداخلي الجزائري، عن اضطراب عميق داخل النظام الجزائري، وأظهرت صراعات محتدمة بين أجهزته الأمنية المختلفة، وفق ما أبرزته صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير مطول نشرته أمس السبت.
وأضاف تقرير "لوموند" أن اختفاء "الجن" جاء بعد إقالته ووضعه تحت الإقامة الجبرية في مرتفعات العاصمة، في حادثة لم تشهد لها الجزائر مثيلا منذ سنوات العشرية السوداء في التسعينيات، مشيرا إلى أن المصادر الرسمية لم تقدم أي توضيحات حول ملابسات اختفائه أو مصيره حتى الآن.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى المعلومة الوحيدة المرتبطة بالموضوع، هو ما صرح به الرئيس عبد المجيد تبون بطريقة غير مباشرة في مقابلة إعلامية جزائرية حيث أدان ما وصفها بـ"أعمال تخريب" و"شائعات" من "خونة الداخل هدفت إلى "زرع الشك بين المواطنين" حسب تعبيره، ثم تبعته وسائل الإعلام الرسمية على نفس الخط، ووصفت التقارير حول هروب الجن إلى إسبانيا بأنها "أخبار زائفة".
وأضافت "لوموند" في تقريرها أن هناك خلافات حادة بين أجنحة النخبة الحاكمة حول السلطة والنفوذ، وأن حادثة اختفاء الجن كشفت عن هشاشة شبكات السيطرة داخل الدولة، خصوصا بعد تفكيك جهاز المخابرات الداخلي (DRS) وتراجع نفوذه في السنوات الأخيرة.
ولفتت في هذا السياق إلى أن هذه الأزمة لم تقتصر على شخصية "الجن" فحسب، بل جاءت في سياق فترة طويلة من عدم الاستقرار داخل الأجهزة الأمنية، حيث شهدت المديرية العامة للأمن الداخلي تغييرات متعددة في القيادة منذ انتخاب تبون في 2019، كما عُين رؤساء جدد للمديرية العامة للتوثيق والأمن الخارجي وجهاز الاستخبارات العسكرية والدرك الوطني أكثر من مرة.
وأشار التقرير إلى أن الجيش الجزائري يظل الحاكم النهائي في النزاعات الداخلية، وأن أي رئيس مدني، بما في ذلك تبون، يحتاج إلى الحفاظ على توازن علاقته مع المؤسسة العسكرية، التي لطالما كانت العمود الفقري للنظام منذ استقلال البلاد عام 1962.
وتابعت في التقرير نفسه إلى أن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة حاول خلال ولايته إعادة ترتيب موازين القوى لصالحه، لكن الصراعات بين الرئاسة وجهاز الاستخبارات وأركان الجيش ظلت قائمة، وهو ما انعكس على استقرار النظام بعد تنحيه في 2019 تحت ضغط الحراك الشعبي.
وأضافت الصحيفة الفرنسية أن تبون، منذ انتخابه، لجأ إلى الاستفادة من خبرات مسؤولي DRS السابقين لتعزيز قبضته على السلطة، بما في ذلك مهنى جبار وناصر الجن، اللذين عُينا على رأس الأجهزة الاستخباراتية الداخلية والخارجية، قبل أن يُقالا لاحقا.
كما اعتبرت "لوموند" أن هذه التغييرات المتكررة تؤكد هشاشة الأجهزة الأمنية وقدرتها المحدودة على إدارة الصراعات الداخلية، كما تعكس تراجع السيطرة المركزية داخل النظام الجزائري، مع بروز فصائل متصارعة داخل الجيش والمخابرات.
كما تحدث التقرير عما وصفه بـ"تعددية زائفة" في المشهد السياسي الجزائري، إذ أن الأحزاب السياسية، رغم وجودها الرسمي، لم تعد قادرة على لعب أي دور فعلي في مواجهة الصراعات الداخلية للنظام، وهو ما يزيد من هشاشة الدولة أمام التحديات الاقتصادية والاجتماعية.




